Header Image
أخر الأخبار

كيف تحاور المراهق

 

كيف تحاور المراهق

 

يُعدّ الحوار مع المراهق من أكثر أنواع التواصل حساسية وصعوبة، لأنّ هذه المرحلة العمرية تتسم بتقلبات فكرية وعاطفية وسلوكية تجعل المراهق يبحث عن ذاته ويطالب بالاستقلال والاعتراف بآرائه. لذلك فإنّ أسلوب الحوار هو المفتاح الأساس لبناء علاقة قائمة على التفاهم والثقة بين المراهق ووالديه أو معلميه أو من يتعامل معه.

أول خطوة في حوار المراهق هي الاستماع الحقيقي، فالمراهق يحتاج أن يشعر بأن صوته مسموع وأن أفكاره تُؤخذ بجدية. عندما ينصت البالغ باهتمام دون مقاطعة أو إصدار أحكام، يفتح الباب أمام المراهق ليعبر عن نفسه بحرية. هذا الاستماع لا يعني الموافقة التامة، بل احترام وجهة النظر وتقدير التجربة التي يعيشها.

ثانيًا، يجب أن يقوم الحوار على الاحترام المتبادل. المراهق لا يتقبل التوبيخ أو الأوامر المباشرة، فهو يريد أن يُعامل كشخص راشد يتخذ قراراته. لذا، على المربي أو الوالد أن يستخدم لغة ودّية تتجنب السخرية والاتهام. فبدل أن نقول: "أنت لا تفهم شيئًا"، يمكننا أن نقول: "أظن أن وجهة نظرك مهمة، لكن ماذا لو نظرنا إلى الموضوع من زاوية أخرى؟". بهذه الطريقة نُبقي باب النقاش مفتوحًا بدلًا من إشعال الصراع.

كما أن اختيار الوقت والمكان المناسبين للحوار أمر بالغ الأهمية. فالتحدث أثناء الغضب أو أمام الآخرين يثير المقاومة ويغلق أبواب التواصل. أما الحوار الهادئ في جوّ من الخصوصية فيسمح بظهور الصراحة والثقة. ويُستحسن أن تكون الجلسة قصيرة ومركّزة لتجنب الملل أو التشتت.

من المهم أيضًا أن يُظهر المحاور تفهمًا لمشاعر المراهق، فالمراهق يعيش صراعات داخلية بين الرغبة في الحرية والخوف من الفشل أو الرفض. إظهار التعاطف والتفهم لا يعني التنازل عن المبادئ، بل هو وسيلة لتقريب المسافة وبناء الثقة. وعندما يشعر المراهق بأن الطرف الآخر يقدّر مشاعره، يصبح أكثر استعدادًا للاستماع والتغيير.

ويُعدّ القدوة العملية من أنجح أساليب الحوار. فالمراهقون يتأثرون بالأفعال أكثر من الأقوال، فإذا أراد المربي أو الوالد أن يغرس قيمة معينة، فعليه أن يجسّدها في سلوكه اليومي. الصدق، والهدوء، واحترام الآخرين أثناء النقاش، هي دروس غير مباشرة يتلقاها المراهق دون أن يشعر.

وأخيرًا، يجب أن يتذكر المربي أنّ الحوار مع المراهق عملية مستمرة وليست موقفًا عابرًا. فهي تحتاج إلى صبر ومرونة ووعي باحتياجات النمو النفسي والعقلي في هذه المرحلة. فكل نقاش ناجح يبني لبنة جديدة في جسر الثقة بين الجيلين، ويمنح المراهق الشعور بالأمان الذي يحتاجه ليعبّر عن نفسه بثقة ويختار طريقه بحكمة.

إنّ فنّ محاورة المراهق يقوم على معادلة دقيقة: الاقتراب دون اقتحام، والإرشاد دون إكراه. ومن ينجح في تحقيق هذا التوازن، يفتح أمام المراهق بابًا للنضج الواعي، ويحول الحوار من صراع أجيال إلى جسر للتفاهم والنمو المشترك.

التعليقات