الإصغاء… المهارة التي تغيّر مصير الجلسة الإرشادية
تخيّل هذا المشهد…
مسترشد يجلس أمامك. يتحدث، ثم يصمت، ثم يتنهد…
يحاول أن يشرح مشكلته، لكنه يراقب عينيك كل لحظة:
هل أنت معه؟ هل تفهمه؟ هل الإصغاء حقيقي… أم مجرد حضور جسدي؟
اللحظة التي يشعر فيها أنك تُصغي بعمق… قد تكون أول لحظة أمان في حياته.
ما هي مهارة الإصغاء؟
هي القدرة على استقبال كلام المسترشد… ومعناه… وانفعاله… وما وراء السطور.
هي مهارة تجمع بين العقل والقلب:
عقلك يفكك ما يسمعه…
وقلبك يحتضن ما لا يُقال.
ليست سماعًا لكلمات… بل اتصال إنساني كامل.
لماذا يُعد الإصغاء جوهر العملية الإرشادية؟
علميًا…
عندما يشعر المسترشد أنه مسموع بعمق:
تنخفض موجات التوتر
يزداد تدفق الأوكسيتوسين المسؤول عن الأمان
ينشط الجهاز العصبي الباراسمبثاوي (التهدئة)
يصبح الدماغ قادرًا على التفكير بوضوح واتخاذ قرارات صحية
إنسانيًا…
المسترشد يشعر أنه:
مُحتضن
مُفهوم
مُقبول كما هو
يستحق أن تُخصص له مساحة
ماذا يحقق الإصغاء الحقيقي؟
يفتح باب الثقة الأولى
يجعل المسترشد يشعر أن تجربته مهمة
يساعده على تنظيم أفكاره بصوت مسموع
يكشف للمُرشد خيوط المشكلة بدقة
يقلّل الدفاعية ويرفع الانفتاح على العلاج
يعطي قيمة لكل كلمة… وكل صمت
كارل روجرز قال إن الإصغاء غير المشروط هو أساس العلاقة العلاجية. المسترشد لا يحتاج دائمًا إلى حلول فورية، بل يحتاج أولًا إلى من يشهد على تجربته.
كيف تُتقن الإصغاء؟
الخطوة
: احضر بالكامل
أطفئ مصادر التشويش… هاتفك… ضوضاء المكتب… أفكارك.
الإصغاء يبدأ عندما يشعر المسترشد أن انتباهك خالص له.
الخطوة
: استخدم لغة جسد داعمة
ميل خفيف للأمام
تواصل بصري دافئ دون إزعاج
إيماءات بسيطة: "نعم"، "أفهم"
تعبير وجه مناسب لنبرة حديثه
هذه الأشياء تقول: أنا معك.
الخطوة
: التقط الإشارات الصغيرة
نبرة مترددة… كلمة مكسورة… دمعة محتبسة… ضحكة قصيرة…
الإصغاء الحقيقي هو قراءة النبرة، والسكوت، والجسد.
الخطوة
: اسأل… لكن دون مقاطعة
استخدم أسئلة تفتح أبوابًا:
"ماذا تقصد؟"
"كيف شعرت وقتها؟"
"أخبرني أكثر…"
الأسئلة ليست لاستجوابه… بل لتمهيد الطريق.
الخطوة
: اصنع ملخصًا قصيرًا
بعد كل 5–7 دقائق، لخص ما قاله:
"أريد أن أتأكد أنني فهمتك… تقول أنك… وتشعر بأن…"
هذا يثبت أنك حاضر ومهتم.
مواقف عملية
مثال 1: إصغاء عميق
المسترشد: "ما عم نام من أسبوع."
المرشد: يميل للأمام، ينظر بعطف
"أسمع تعبًا كبيرًا في صوتك… يبدو أن هذا الأسبوع كان قاسيًا عليك."
(إصغاء + قراءة انفعال)
مثال 2: إصغاء يكشف ما وراء السطح
المسترشد: "ما عندي مشكلة… الوضع عادي." بنبرة باردة.
المرشد:
"صوتك يوحي إنك عم تحاول تثبّت نفسك… وكأن وراء كلمة (عادي) شي أثقل."
مثال 3: الإصغاء لصمت المسترشد
المسترشد يطأطئ رأسه ويصمت.
المرشد:
"أشعر أن هذا الصمت يحمل الكثير… وأنا هنا عندما تكون جاهزًا للكلام."
مستويات الإتقان
مبتدئ: سماع الكلمات فقط
متوسط: فهم الفكرة + ملاحظة النبرة
متقدم: قراءة الانفعال واللغة غير اللفظية
خبير: اكتشاف ما وراء السطر وما وراء الصمت
أخطاء يجب تجنبها
المقاطعة
تحويل الحديث لنصيحة فورية
السرحان الذهني
إصدار حكم
مقارنة تجربته بتجاربك
جعل الجلسة عنك بدلًا عنه
الإصغاء يعني: مساحة آمنة… بلا أحكام.
تمرين للممارسة
حاول الإصغاء لهذه الحالات، وحدد ما الذي تحتاج أن تلتقطه:
1. مسترشد يقول: "ما عندي حدا أفكر معه…"
2. طالبة تقول: "الامتحان كان سهل… بس طلعت نتيجتي سيئة."
3. أم تتنهد قبل أن تبدأ كلامها
4. مراهق يكرر: "مو مهم… خلص ما بدي أحكي."
ماذا تسمع؟
وماذا يشعرون؟
وماذا يحتاجون؟
هنا يبدأ الإصغاء الحقيقي.
الخلاصة
الإصغاء ليس مهارة مهنية فقط…
إنه حضور إنساني يقول للمسترشد:
"أنت مهم… كلماتك تستحق أن تُسمع… وتجربتك تستحق أن تُحترم."
الإصغاء قد يكون أول خطوة للشفاء…
وأحيانًا… يكفي أن نصغي فقط كي يعود الإنسان إلى نفسه.
التعليقات