Header Image
أخر الأخبار

عُزلةُ الكِتاب: حين يبتعد الجيل عن القراءة وتغترب المعرفة

 

عُزلةُ الكِتاب: حين يبتعد الجيل عن القراءة وتغترب المعرفة

 

في زمنٍ تتسارع فيه الشاشات، وتتنافس فيه المحتويات السريعة على انتباه الإنسان، يمرّ الكتاب بحالة من العُزلة لم يعرفها عبر العصور. فقد تراجع حضوره في حياة الكثيرين، خاصة لدى الأجيال الجديدة التي باتت تفضّل الصورة على الكلمة، والمقطع القصير على الفكرة العميقة، والتصفح السريع على التأمل الطويل.
إن عزلة الكتاب ليست عزلة ورقية فقط، بل هي عزلة معرفية وثقافية وفكرية، تُنذر بآثار عميقة على الفرد والمجتمع.


أولاً: ماذا نعني بعزلة الكتاب؟

عزلة الكتاب هي ابتعاد الأفراد عن القراءة الجادة والمنهجية، والاكتفاء ببدائل سريعة مثل منشورات التواصل أو المحتويات الرقمية المختصرة، مما يقلل من قيمة الكتاب كمصدر رئيسي للمعرفة والتكوين الفكري.


ثانياً: أسباب عزلة الكتاب

1. هيمنة المحتوى الرقمي

الهواتف الذكية ومنصات الفيديو أصبحت الخيار الأسرع والأكثر إغراءً، مما يجعل العودة إلى الكتاب أمراً يتطلب جهداً وصبراً.

2. ضعف ثقافة القراءة المنزلية والمدرسية

البيئة التربوية التي لا تُعزز القراءة تجعل الكتاب غريباً عن حياة الأطفال.

3. تراجع القدوة القرائية

غياب النموذج القارئ في حياة الأبناء يجعل القراءة فعلاً ثانوياً.

4. الضغط الدراسي والروتين

الطالب يغرق في الواجبات والاختبارات، فلا يجد وقتاً للقراءة الحرة.

5. النزعة الاستهلاكية للمعلومات

المحتوى السريع يجعل القارئ يبحث عن “المعلومة الجاهزة” لا المعرفة العميقة.


ثالثاً: آثار عزلة الكتاب

1. ضعف العمق الفكري

الكتاب يوسّع المدارك، أما الاستغناء عنه يخلق جيلاً يتعامل مع المعارف بسطحية.

2. تراجع مهارات اللغة

القراءة تُغذّي المفردات والصياغة والقدرة على التعبير.

3. ضعف التفكير النقدي

الكتاب يعلّم القارئ التحليل، أما المحتوى السريع فيُغري بالتلقّي دون تفكير.

4. فقر الخيال

الصور الجاهزة لا تمنح الدماغ فرصة لبناء مشاهد خيالية كما يفعل الأدب.

5. انقطاع الصلة بالتراث

الابتعاد عن الكتب يضعف معرفة الأجيال الجديدة بقيمها وتاريخها وأدبها.


رابعاً: كيف نعيد للكتاب مكانته؟

1. تعزيز القراءة في المنزل

اللحظة التي يرى فيها الطفل كتاباً في يد والده، تصبح القراءة جزءاً من حياته.

2. برامج قراءة مدرسية مؤنسنة وليست إلزامية

فعاليات قراءة ممتعة، مسابقات كتب، نوادٍ ثقافية.

3. الاستفادة الذكية من القراءة الرقمية

تشجيع الكتب الإلكترونية بدل المحتوى السطحي.

4. تخصيص وقت يومي للقراءة

حتى 15 دقيقة يمكن أن تُحدث فرقاً كبيراً.

5. ربط القراءة بالواقع والاهتمامات

اختيار كتب تتحدث عن اهتمامات الطفل: فضاء، رياضة، تاريخ، قصص.


خامساً: الكتاب… مساحة للتأمل لا يوفرها العالم السريع

الكتاب يمنح القارئ فرصة نادرة للتأمل، وللحوار الداخلي، وللبحث عن معنى، وهي مهارات لا توفرها العوالم الرقمية السريعة.
عندما يقرأ الإنسان، فإنه لا يضيف معلومة فحسب، بل يبني داخله عالمًا جديدًا.


🔚 خاتمة

عزلة الكتاب ليست قدراً محتوماً.
فإعادة الاعتبار للقراءة تبدأ من الأسرة، وتُعزّز في المدرسة، وتتجذّر عندما يشعر الفرد أن الكتاب ليس مجرد وسيلة للمعرفة، بل صديقٌ يصنع المعنى، ويوسّع الأفق، ويملأ الروح نوراً.
إن إنقاذ الكتاب هو في حقيقة الأمر إنقاذ للإنسان نفسه.

التعليقات