يُعدّ القلق الاجتماعي أحد أبرز التحديات التي يواجهها بعض الطلاب داخل الصف، حيث يشعرون بالخوف من التفاعل، أو التعرّض للتقييم، أو لفت الأنظار إليهم. وقد يُظهرون ذلك بالصمت، أو التردد، أو الانسحاب الاجتماعي، أو حتى تجنّب المهام الصفية. وهنا تبرز أهمية دور المعلّم في خلق بيئة صفية آمنة تُشجّع المشاركة دون خوف وتدعم الطالب نفسيًا وتربويًا.
قبل أي تدخل، من الضروري أن يتعرّف المعلّم إلى العلامات التي قد تشير إلى وجود قلق اجتماعي، ومن أبرزها:
التردد قبل المشاركة أو الامتناع الكامل عن رفع اليد.
تجنّب العمل الجماعي أو الأنشطة التي تتطلب تعاونًا مباشرًا.
الخوف من القراءة أمام الآخرين أو التقديم الشفهي.
انسحاب في الممرات أو أثناء الاستراحة.
ارتباك واضح عند التعرّض للأسئلة المباشرة.
مجرد إدراك هذه المظاهر يساعد المعلّم على التصرف بحكمة ورحمة.
البيئة التي يشعر فيها الطالب بالأمان النفسي تقلّل 50% من آثار القلق الاجتماعي. ويمكن تحقيق ذلك عبر:
التأكيد المستمر أن الصف مساحة للتعلم لا للحكم أو السخرية.
غياب التهكم يدعم الطلاب الأكثر حساسية.
غرس فكرة أن الاختلافات طبيعية، وأن كل طالب يتقدّم وفق قدراته وزمنه.
حين يعرف الطالب ما هو مطلوب منه، يقلّ قلقه من المفاجآت أو المواقف غير المحسوبة.
يمكن للمعلم أن يغيّر طرق تفاعله ليقلل الضغط على الطالب المتوتر اجتماعيًا:
تجنّب توجيه أسئلة مفاجئة أمام الصف أو تكليفه بأنشطة علنية دون استعداد.
مثل الكتابة على ورقة، أو المشاركة عبر منصات رقمية، أو العمل ضمن مجموعات صغيرة.
فالقلق غالبًا يتزايد مع نبرة الصوت المرتفعة أو المفاجئة.
جلسات قصيرة بين المعلم والطالب تساعد في بناء الثقة وتخفيض التوتر.
ابدأ بالعمل الثنائي ثم مجموعات صغيرة قبل أي عروض أمام الصف.
إعطاء الطالب فرصة للاطلاع على الأسئلة أو المهام قبل مشاركتها علنًا.
مثل دور “المُلاحظ” أو “كاتب المجموعة” لمن يخشون التحدث.
كالبطاقات والصور، فهي تخفف التوتر لأنها تُحوّل التركيز من الطالب إلى المادة.
يمكن للمعلم مساعدة الطالب على تطوير ثقته بنفسه دون فرض أو تسريع:
تدريب على مهارات الحوار داخل مجموعات صغيرة.
تشجيع مبادرات بسيطة مثل سؤال المعلم في نهاية الحصة.
تعزيز الإنجازات الصغيرة، حتى لو كانت خطوة بسيطة نحو المشاركة.
هذه التطورات التراكمية تُحدث فرقًا كبيرًا على المدى الطويل.
الشراكة بين المعلم والمرشد والأهل تساعد في رسم خطة دعم متكاملة:
إبلاغ الأهل بالتحسن أو الصعوبات.
الاستفادة من جلسات الإرشاد المدرسي.
تنسيق استراتيجيات التعامل داخل المدرسة والمنزل.
الطالب ذو القلق الاجتماعي ليس طالبًا ضعيفًا، بل يحتاج فقط إلى بيئة آمنة ودعم تربوي إنساني. وعندما ينجح المعلم في منحه هذا الأمان، قد يتحوّل الطالب من متردد صامت إلى مشارك واثق، بل وإلى نموذج جميل للصبر والتطور الإيجابي.
دعم هؤلاء الطلاب ليس مهمة إضافية؛ إنه جزء أساسي من رسالتنا التربوية في بناء صفوف احتوائية تُشبه عالمًا يحترم اختلافات الجميع.
التعليقات